فصل: فَصْلٌ: (فِي حُكْمِ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي حُكْمِ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ الزَّائِدَاتِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ‏]‏

المتن‏:‏

أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ، وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ، وَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي حُكْمِ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ الزَّائِدَاتِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ، لَوْ ‏(‏أَسْلَمَ‏)‏ الْكَافِرُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ ‏(‏وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ‏)‏ مِنْ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ ‏(‏وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ‏)‏ عَلَى أَيِّ دِينٍ يَكُنَّ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَخَلَّفْنَ وَهُنَّ مَدْخُولٌ بِهِنَّ وَكُنَّ غَيْرَ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَهُ ‏(‏فِي الْعِدَّةِ‏)‏ وَهِيَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ فِي الْعِدَّةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يُسْلِمْنَ أَصْلًا بَلْ ‏(‏كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ‏)‏ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ حَالَ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلِاخْتِيَارِ وَلَوْ سَكْرَانَ ‏(‏اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ‏)‏ مِنْهُنَّ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ، وَيَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَاتِ الْمُخْتَارَاتِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ ‏(‏وَيَنْدَفِعُ‏)‏ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ نِكَاحُ ‏(‏مَنْ زَادَ‏)‏ لِأَنَّ ‏{‏غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَسَوَاءٌ نَكَحَهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا، اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَحَمْلُ الْخَصْمِ لَهُ عَلَى الْأَوَائِلِ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا، فَعَمِدْتُ إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٌ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا‏}‏ وَحَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ أَبْعَدُ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ‏:‏ أَسْلَمَ سِتَّةٌ مِنْ ثَقِيفٍ كُلٌّ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَامِرٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلُزُومِ اخْتِيَارِ أَرْبَعٍ يُوهِمُ إيجَابَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَسْتَدِيمَ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ‏.‏ وَأَمَّا إمْسَاكُ أَرْبَعٍ فَجَائِزٌ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ابْنُ شُهْبَةَ وَابْنُ قَاسِمٍ وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَقَدْ سَلِمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَا اخْتَارَ أَرْبَعًا، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ اللُّزُومُ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ دَفْعَ الْمُفَارَقَاتِ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعِدَّةُ وَهُوَ انْدِفَاعُ بَيْنُونَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏.‏ أَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ ثِنْتَيْنِ كَيْفَ شَاءَ حُرَّتَيْنِ أَوْ لَا‏.‏ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ النِّكَاحَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُهُ لِيَخْتَارَ، وَنَفَقَتُهُنَّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحَبْسِهِنَّ لِأَجْلِهِ، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْكُفْرِ زَوْجَيْنِ وَأَسْلَمُوا فَإِنْ نَكَحَتْهُمَا مَعًا أَبْطَلْنَا النِّكَاحَ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَوْ مُرَتَّبًا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ الثَّانِي وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّزْوِيجَ بِزَوْجَيْنِ قَرَّرْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَسْلَمَا دُونَهَا أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً ‏(‏وَإِنْ أَسْلَمَ‏)‏ مِنْهُنَّ ‏(‏مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ‏)‏ بَعْدَهُ ‏(‏فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ‏)‏ أَوْ أَقَلُّ ‏(‏تَعَيَّنَ‏)‏ لِلنِّكَاحِ وَانْدَفَعَ نِكَاحُ مَنْ زَادَ لِتَأَخُّرِ إسْلَامِهِنَّ عَنْ إسْلَامِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَنْ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ مِنْ وَقْتِ إسْلَامِ الزَّوْجِ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْ الْأُولَيَاتِ أَوْ الْأَخِيرَاتِ كَيْفَ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ الْأُولَيَاتُ أَوْ بَعْضُهُنَّ جَازَ لَهُ اخْتِيَارُ الْمَيِّتَاتِ وَيَرِثُ مِنْهُنَّ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ مِنْ ثَمَانٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، أَوْ مُتْنَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ فِي عِدَّتِهِنَّ تَعَيَّنَتْ الْأَخِيرَاتُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ أَوْ أَسْلَمَتَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ، أَوْ بِالْبِنْتِ تَعَيَّنَتْ، أَوْ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا أَبَدًا، وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا‏)‏ نَكَحَهُمَا مَعًا أَمْ لَا وَهُمَا ‏(‏كِتَابِيَّتَانِ أَوْ‏)‏ غَيْرُ كِتَابِيَّتَيْنِ وَ ‏(‏أَسْلَمَتَا‏)‏ مَعَ الزَّوْجِ كَانَ لِلْمُسْلِمَةِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ‏:‏ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا‏)‏ سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِشُبْهَةٍ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى فَبِنِكَاحٍ أَوْلَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مُسَمَّاهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ‏.‏ الْحَالُ الثَّانِي‏:‏ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ أَيْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ‏(‏بِوَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ‏)‏ وَانْدَفَعَتْ الْأُمُّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَاسْتَحَقَّتْ الْأُمُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ لِانْدِفَاعِ نِكَاحِهَا بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ‏:‏ لَا شَيْءَ لَهَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ‏)‏ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ‏.‏ الْحَالُ الثَّالِثُ‏:‏ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَخَلَ ‏(‏بِالْبِنْتِ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏تَعَيَّنَتْ‏)‏ وَحَرُمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا، وَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى‏.‏ الْحَالُ الرَّابِعُ‏:‏ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَخَلَ ‏(‏بِالْأُمِّ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏حَرُمَتَا أَبَدًا‏)‏ أَمَّا الْبِنْتُ فَلِلدُّخُولِ بِالْأُمِّ‏.‏ وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِلْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَلِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَاعْتَذَرَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّ كِلَاهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَكَحَ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَيَجِبُ لِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ‏)‏ وَتَنْدَفِعُ الْبِنْتُ بِوَطْءِ الْأُمِّ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ‏.‏ الْحَالُ الْخَامِسُ‏:‏ لَوْ شَكَّ هَلْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لَا‏؟‏ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّ الْوَرَعَ تَحْرِيمُهُمَا‏.‏ الْحَالُ السَّادِسُ‏:‏ لَوْ شَكَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِتَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا بُدَّ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ مِنْ تَيَقُّنِ حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ‏.‏ ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أُخْتٍ اخْتَارَ وَاحِدَةً‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ أُقِرَّ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَإِنْ تَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَمَةً إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ، وَإِلَّا انْدَفَعْنَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَ ‏(‏وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ‏)‏ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ ‏(‏فِي الْعِدَّةِ‏)‏ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ ‏(‏أُقِرَّ‏)‏ النِّكَاحُ ‏(‏إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ‏)‏ حِينَئِذٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ حُرٍّ أَوْ حُرًّا مُعْسِرًا خَائِفًا الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ أُقِرَّ عَلَى نِكَاحِهَا ‏(‏وَإِنْ تَخَلَّفَتْ‏)‏ عَنْ إسْلَامِهِ أَوْ هُوَ عَنْ إسْلَامِهَا ‏(‏قَبْلَ دُخُولٍ‏)‏ أَوْ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا إسْلَامٌ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِلَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ ‏(‏تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ‏)‏ كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ‏(‏إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ‏)‏ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ بَعْدَ إسْلَامِهِنَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ هُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ‏(‏فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ‏)‏ الْحُرُّ مِنْهُنَّ ‏(‏أَمَةً‏)‏ وَاحِدَةً فَقَطْ ‏(‏إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ‏)‏ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْأَمَةِ، فَجَازَ لَهُ اخْتِيَارُهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ ‏(‏انْدَفَعْنَ‏)‏ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُهَا كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْمُفْسِدُ لِلنِّكَاحِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاسْتَمَرَّ كَالْعِدَّةِ كَفَى فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ اقْتِرَانُهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ طَارِئًا كَالْيَسَارِ وَأَمْنِ الْعَنَتِ فِي الْأَمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهِ بِإِسْلَامِهِمَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى ثَلَاثِ إمَاءٍ فَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ الثَّالِثَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ انْدَفَعَتْ الْوُسْطَى، وَيُخَيَّرُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي انْدِفَاعِ النِّكَاحِ إذَا اقْتَرَنَ بِإِسْلَامِهِمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ لَمْ يَدُمْ النِّكَاحُ لِمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَوْ أَسْلَمَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ عَلَى أَمَةٍ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ ‏(‏حُرَّةٌ‏)‏ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا ‏(‏وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ‏)‏ أَيْ الْحُرَّةُ وَالْإِمَاءُ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ‏(‏فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ‏)‏ أَيْ الْحُرَّةُ لِلنِّكَاحِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهَا عَنْ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْإِمَاءِ ‏(‏وَانْدَفَعْنَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَمَةً مَعَ وُجُودِ حُرَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّ لَهُ اخْتِيَارَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ‏(‏وَإِنْ أَصَرَّتْ‏)‏ تِلْكَ الْحُرَّةُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً يَحِلُّ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ‏(‏فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً‏)‏ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ حُرَّةً لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا بَانَتْ بِإِسْلَامِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ أَمَةٍ فِي تَخَلُّفِ الْحُرَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَارَ أَمَةً وَأَصَرَّتْ الْحُرَّةُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ مَاتَتْ وَجَبَ تَحْدِيدُ الِاخْتِيَارِ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ ‏(‏وَلَوْ أَسْلَمَتْ‏)‏ أَيْ الْحُرَّةُ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ ‏(‏وَعَتَقْنَ‏)‏ أَيْ الْإِمَاءُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ ‏(‏ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ‏)‏ أَصْلِيَّاتٍ حُكْمُهُنَّ، وَحِينَئِذٍ ‏(‏فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا‏)‏ مِنْهُنَّ وَلَوْ دُونَ الْحُرَّةِ لِالْتِحَاقِهِنَّ بِالْحَرَائِرِ الْأَصْلِيَّاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ، بَلْ الضَّابِطُ الشَّامِلُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا أَنْ يَطْرَأَ الْعِتْقُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِنَّ وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِصُورَةِ الْمَتْنِ وَبِمَا إذَا أَسْلَمْنَ ثُمَّ عَتَقْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ‏.‏ أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُنَّ عَنْ إسْلَامِهِنَّ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ أَوْ عَكْسُهُ ثُمَّ عَتَقْنَ اسْتَمَرَّ حُكْمُ الْإِمَاءِ عَلَيْهِنَّ، فَتَتَعَيَّنُ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا اخْتَارَ أَمَةً مِنْ الْإِمَاءِ بِشَرْطِهِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ أَسْلَمَ مِنْ إمَاءٍ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ عَتَقَتْ الْبَاقِيَاتُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِنَّ عَلَى إسْلَامِهِنَّ، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْأُولَى لِرِقِّهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا، فَتَنْدَفِعُ بِالْمُعْتَقَاتِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ، وَمُقَارَنَةُ الْعِتْقِ لِإِسْلَامِهِنَّ كَتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ، فَعَتَقَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْأُخْرَيَانِ انْدَفَعَتَا دُونَ الرَّقِيقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَخْتَارُهَا أَوْ صَاحِبَتَهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ سَهْوٌ‏.‏ وَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ الْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لِاقْتِرَانِ حُرِّيَّةِ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِإِسْلَامِهِمَا، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِمَا، وَلَا نَقُولُ بِانْدِفَاعِهِمَا بِمُجَرَّدِ عِتْقِ تِلْكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتِقَا ثُمَّ يُسْلِمَا، وَإِنَّمَا تَنْدَفِعَانِ إذَا أَسْلَمَتَا عَلَى الرِّقِّ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلَهُ اخْتِيَارُ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ، إذْ الْأَمَةُ فِي حَقِّهِ كَالْحُرَّةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْحُرِّ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ إسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ أَوَّلًا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ‏.‏ وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِرِقِّهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهَا عِتْقٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً‏.‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏:‏ سَوَاءٌ أَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ أَنْ تُسْلِمَ وَأَنْ لَا تُسْلِمَ غَلَطٌ لِاقْتِضَاءِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَقَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ا هـ‏.‏ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ، وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ، لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ وَكَانَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ شَرَعَ فِي أَلْفَاظِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ‏)‏ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ‏:‏ كَحَبَسْتُكِ أَوْ نِكَاحُكِ أَوْ عَقْدُكِ أَوْ حَبَسْتُكِ عَلَى النِّكَاحِ لِمَجِيءِ الِاخْتِيَارِ وَالْإِمْسَاكِ فِي الْحَدِيثِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا‏.‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ صَرِيحٌ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ‏:‏ اخْتَرْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلنِّكَاحِ كِنَايَةً ا هـ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمِثْلُهَا ثَبَّتُّكِ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ بِالْكِنَايَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَيَنْبَغِي إذَا جُعِلَ كَاسْتِدَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْكِنَايَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ ثَمَانٍ فَفَسَخَ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ كَقَوْلِهِ‏:‏ فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ اسْتَقَرَّ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّف عَنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ، كَفَسَخْتُ نِكَاحَهَا أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَزَلْتُهُ، وَبِالْكِنَايَةِ‏:‏ كَصَرَفْتُهَا، وَإِنْ أَرَادَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ‏)‏ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمَنْكُوحَةَ، وَسَوَاءٌ الْمُعَلَّقُ وَالْمُنَجَّزُ فَإِنْ طَلَّقَ أَرْبَعًا حَرُمَ الْجَمِيعُ، أَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْبَاقِيَاتُ فَلِانْدِفَاعِهِنَّ بِالشَّرْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ‏.‏ نَعَمْ لَفْظُ الْفِرَاقِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ هُنَا فَسْخٌ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الطَّلَاقِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ فِي الْفَسْخِ أَيْضًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَفِي الطَّلَاقِ وَيَتَعَيَّنُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَرِينَةِ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ‏:‏ أُرِيدُكُنَّ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ لِلْبَاقِيَاتِ لَا أُرِيدُكُنَّ ‏(‏لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ‏)‏ فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارٍ لِلنِّكَاحِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ الظِّهَارَ وَصْفٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْإِيلَاءَ حَلِفٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَهُمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَلْيَقُ، وَالثَّانِي هُمَا تَعْيِينٌ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اخْتَارَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى لِلنِّكَاحِ صَحَّ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ، وَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَيَصِيرُ فِي الظِّهَارِ عَائِدًا إنْ لَمْ يُفَارِقْهَا فِي الْحَالِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ‏:‏ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ ‏"‏ الْأَصَحِّ ‏"‏ رَاجِعٌ إلَى الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ فِي الْغُنْيَةِ رَاجِعًا إلَيْهِمَا وَإِلَى الطَّلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إمَّا كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ أَوْ كَاسْتِدَامَتِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالرَّجْعَةِ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا إنْ اخْتَارَ غَيْرَهَا ‏(‏وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ‏)‏ اسْتِقْلَالِيٍّ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَعْلِيقُ ‏(‏فَسْخٍ‏)‏ لَمْ يَنُبْهُ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْت نِكَاحَك أَوْ فَسَخْتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَعْيِينٌ، وَلَا تَعْيِينَ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَخَرَجَ بِاسْتِقْلَالِيٍّ تَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ الضِّمْنِيِّ كَمَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَصَلَ الِاخْتِيَارُ لَهَا ضِمْنًا، فَإِنْ نَوَى بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَيَحْصُلُ الِاخْتِيَارُ بِهِ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقِلِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ انْدَفَعَ مَنْ زَادَ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ، فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ فِي النِّكَاحِ حُبِسَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ‏)‏ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِسْوَةٍ أَسْلَمَ عَنْهُنَّ صَحَّ وَ ‏(‏انْدَفَعَ مَنْ زَادَ‏)‏ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا تَامًّا ‏(‏وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ‏)‏ التَّامُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا فِي دُونِ الْخَمْسِ لِحَبْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُنَّ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُفَارَقَةٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ، بَلْ يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا، لَكِنْ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَمِلَ بِخَطِّهِ فَاصِلَةً قَبْلَهُ، وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏نَفَقَتُهُنَّ‏)‏ أَيْ الْخَمْسِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ أَيْضًا‏.‏ وَالثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ نَفَقَتِهِنَّ ‏(‏حَتَّى يَخْتَارَ‏)‏ مِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا‏.‏ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ‏:‏ فَأَقَلُّ أَيْ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِحُكْمِ النِّكَاحِ ‏(‏فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ حُبِسَ‏)‏ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ وَاجِبٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، فَإِنْ سَأَلَ الِانْتِظَارَ فِي الِاخْتِيَارِ لِيَتَفَكَّرَ فِي الْأَحَظِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُ‏.‏ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ‏:‏ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِإِمْهَالِهِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ التَّرَوِّي شَرْعًا‏.‏ أَمَّا النَّفَقَةُ فَلَا يُمْهَلُ بِهَا لِتَضَرُّرِهِنَّ بِتَرْكِهَا، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُفِدْهُ عُزِّرَ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ وَامْتَنَعَ وَأَصَرَّ وَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِ الْحَبْسُ وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْحَبْسِ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتَارَ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ مُدَّةٍ يَبْرَأُ فِيهَا عَنْ أَلَمِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ، وَلَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ رَجَعْتُ عَمَّا اخْتَرْت لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلَا يَخْتَارُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَدْرِي الْقَاضِي إلَى أَيَّتِهِنَّ أَمْيَلُ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ الِاخْتِيَارِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ الْأَصْحَابُ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ غَيْلَانَ حَامِلِينَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَاَلَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْهُ إنْ أَمْسَكَ لِلْإِبَاحَةِ وَفَارَقَ لِلْوُجُوبِ لِحَقِّهِنَّ فِي رَفْعِ الْحَبْسِ عَنْهُنَّ، وَلِرَفْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّ الْحَرَامَ الْوَاجِبَ ضِدُّهُ وَالسُّكُوتُ مَعَ الْكَفِّ عَنْ الْكُلِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إذَا طَلَبْنَ إزَالَةَ الْحَبْسِ فَيَجِبُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُهُ أَمْسِكْ أَرْبَعًا لِلْإِبَاحَةِ لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ، وَقَوْلُهُ‏:‏ إنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ مَوْضِعُ تَوَقُّفٍ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ يَلْزَمُ مِنْهُ إمْسَاكُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَحْذُورٌ ا هـ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ، وَذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الِاخْتِيَارِ ‏(‏اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ‏)‏ أَيْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ بِوَضْعِهِ تَنْقَضِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْفِرَاقِ ‏(‏وَ‏)‏ اعْتَدَّتْ ‏(‏ذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ‏)‏ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الزَّوْجِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُنَّ ‏(‏وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ‏)‏ الَّذِي بَقِيَ مِنْ ‏(‏الْأَقْرَاءِ وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏أَرْبَعَةٍ‏)‏ مِنْ أَشْهُرٍ ‏(‏وَعَشْرٍ‏)‏ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، أَوْ مُفَارَقَةً فِي الْحَيَاةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ لِتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ بِيَقِينٍ، فَفِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ إنْ مَضَتْ الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَكْمَلَتْهَا وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَوْتِ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعَشْرُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَقْرَاءِ أَتَمَّتْ الْأَقْرَاءَ، وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ إسْلَامِهِمَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا، وَإِلَّا فَمِنْ حِينِ إسْلَامِ السَّابِقِ مِنْهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُسِبَتْ الْأَقْرَاءُ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ لُزُومُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ عَلَى مَعْنَى مُقَابَلَةِ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ، إذْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَتَبَاعَدُ حَيْضُهَا حَتَّى مَضَى بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ قُرْءَانِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَضَى حَقُّ الْقُرْءِ الْآخَرِ فِي شَهْرَيْنِ مَثَلًا فَلَا نَقُولُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنَّ الْأَكْثَرَ الْأَقْرَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَقْرَاءِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ا هـ‏.‏ وَلِذَلِكَ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ‏)‏ مُسْلِمَاتٍ مِنْ رُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ عَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِنَّ زَوْجَاتٍ وَقَدْ جَهِلْنَا عَيْنَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُقِرُّ نِكَاحَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَيُزِيلُ نِكَاحَ الْبَوَاقِي فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ ‏(‏حَتَّى يَصْطَلِحْنَ‏)‏ فَيُقَسَّمُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُنَّ مِنْ تَفَاضُلٍ أَوْ تَسَاوٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهِنَّ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ كَالثُّمُنِ إذَا كُنَّ ثَمَانِيَةً، أَوْ السُّدُسِ إذَا كُنَّ سِتَّةً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَظِّ، وَقَبْلَ الِاصْطِلَاحِ يُعْطَيْنَ الْيَقِينَ، فَفِي ثَمَانٍ طَلَبَ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُعْطَيْنَ، فَإِنْ طَلَبَ خَمْسٌ دُفِعَ لَهُنَّ رُبُعُ الْمَوْقُوفِ، أَوْ سِتٌّ فَنِصْفُهُ، أَوْ سَبْعٌ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُنَّ قِسْمَةُ مَا أَخَذْنَهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَا أَخَذْنَهُ تَمَامُ حَقِّهِنَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِنَّ أَنْ يَبْرَئْنَ عَنْ الْبَاقِي، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ فِيهِنَّ مَنْ تَسْتَحِقُّ الْمَدْفُوعَ فَكَيْفَ يُكَلَّفْنَ بِدَفْعِ الْحَقِّ إلَيْهِنَّ إسْقَاطَ حَقٍّ آخَرَ إنْ كَانَ‏.‏ أَمَّا الزَّوْجَاتُ الْكَافِرَاتُ فَلَا يُوقَفُ لَهُنَّ شَيْءٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إرْثُ الْمُسْلِمَاتِ، كَمَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ، أَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ وَأَرْبَعُ وَثَنِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ الْوَثَنِيَّاتُ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَا يُوقَفُ لِلزَّوْجَاتِ شَيْءٌ، بَلْ تُقَسَّمُ كُلُّ التَّرِكَةِ بَيْنَ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَاتِ الْإِرْثَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَقَالَ‏:‏ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي حُكْمِ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ‏]‏

المتن‏:‏

أَسْلَمَا مَعًا اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي حُكْمِ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ، أَوْ ارْتَدَّتْ مَعَ زَوْجِهَا، أَوْ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، إذَا ‏(‏أَسْلَمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَانِ ‏(‏مَعًا‏)‏ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ‏)‏ وَغَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ لِدَوَامِ النِّكَاحِ وَالتَّمْكِينِ ‏(‏وَلَوْ أَسْلَمَ‏)‏ هُوَ ‏(‏وَأَصَرَّتْ‏)‏ وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ‏(‏حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا‏)‏ نَفَقَةَ لَهَا وَلَا شَيْءَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ لِإِسَاءَتِهَا بِتَخَلُّفِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ كَنَاشِزَةٍ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَجَّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَرْضٌ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ‏.‏ أَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ قَطْعًا إذَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ ‏(‏وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا‏)‏ أَيْ الْعِدَّةِ ‏(‏لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِمَا مَرَّ، وَالْقَدِيمُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْآخَرِ أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً وَهِيَ لَمْ تُحْدِثْ شَيْئًا وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بَدَّلَ الدِّينَ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفِ لِعُذْرٍ أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي إذَا تَخَلَّفَتْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ عَقِبَ زَوَالِ الْمَانِعِ أَنْ تَسْتَحِقَّ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ ا هـ‏.‏ وَرُدَّ هَذَا الْبَحْثُ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُشُوزٌ وَلَا تَقْصِيرٌ مِنْ الزَّوْجَةِ كَمَا تَسْقُطُ بِحَبْسِهَا ظُلْمًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوَّلًا فَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَصَرَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَبْقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ الزَّوْجُ‏:‏ أَسْلَمْتُ أَوَّلًا فَلَا نَفَقَةَ لَك، وَقَالَتْ‏:‏ بَلْ أَسْلَمْتُ أَوَّلًا فَلِي النَّفَقَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً فَهُوَ يَدَّعِي مُسْقِطًا، فَأَشْبَهَ مَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النُّشُوزَ وَهِيَ تُنْكِرُهُ ‏(‏وَلَوْ أَسْلَمَتْ‏)‏ هِيَ ‏(‏أَوَّلًا فَأَسْلَمَ‏)‏ هُوَ ‏(‏فِي الْعِدَّةِ‏)‏ فَلَهَا نَفَقَةُ مُدَّةِ تَخَلُّفِهِ ‏(‏أَوْ أَصَرَّ‏)‏ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ‏(‏فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا أَدَّتْ فَرْضًا مُضَيَّقًا عَلَيْهَا فَلَا يَمْنَعُ النَّفَقَةَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ‏.‏ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَقْرِيرِ النِّكَاحِ بِأَنْ يُسْلِمَ فَجُعِلَتْ كَالرَّجْعِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا عَدَمُ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِيمَا لَوْ تَخَلَّفَ إسْلَامُهُ لِعُذْرٍ مِنْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَدَامَ بِهِ الْمَانِعُ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَهُوَ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَعْلِيلُهُمْ بِذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِمَا، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى دِينِهِ، وَهِيَ الَّتِي أَحْدَثَتْ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ أَطَاعَتْ بِهِ كَالْحَجِّ، وَرَدَّتْ بِأَنَّ الْحَجَّ مُوَسِّعٌ وَالْإِسْلَامَ مُضَيِّقٌ‏.‏ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا بَائِنٌ حَائِلٌ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا سَبَقَتْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَيْثُ يَسْقُطُ مَهْرُهَا مَعَ إحْسَانِهَا بِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضُ الْعَقْدِ فَسَقَطَ بِتَفْوِيتِ الْعَاقِدِ مُعَوِّضَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَأَكْلِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ مُضْطَرًّا وَالنَّفَقَةَ لِلتَّمْكِينِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ لِلتَّعَدِّي وَلَا تَعَدِّيَ هُنَا‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا نَفَقَةَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ ارْتَدَّتْ‏)‏ زَوْجَةٌ وَحْدَهَا ‏(‏فَلَا نَفَقَةَ‏)‏ لَهَا زَمَنَ الرِّدَّةِ ‏(‏وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ‏)‏ لِأَنَّهَا كَالنَّاشِزَةِ بِالرِّدَّةِ، بَلْ أَوْلَى وَتَسْتَحِقُّ مِنْ وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِدَّةِ ‏(‏وَإِنْ ارْتَدَّ‏)‏ الزَّوْجُ وَحْدَهُ ‏(‏فَلَهَا‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏نَفَقَةُ الْعِدَّةِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِمَا مَرَّ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي تَشْطِيرِ الْمَهْرِ بِرِدَّتِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ فَغَابَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ غَائِبٌ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الرِّدَّةُ أَوْلَى مِنْ النُّشُوزِ كَمَا مَرَّ، وَهِيَ لَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ حَتَّى يَصِلَ الْخَبْرُ إلَيْهِ وَيَمْضِي زَمَانٌ لَوْ سَافَرَ إلَيْهَا لَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِالرِّدَّةِ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَسُقُوطَهَا بِالنُّشُوزِ لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْخُرُوجِ مِنْ قَبْضَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَزُولُ مَعَ الْغَيْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَادَّعَتْ سَبْقَ الزَّوْجِ بِهِ لِيَثْبُتَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَكَسَ هُوَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نِصْفِ الْمَهْرِ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ سَبْقَهَا فَقَالَتْ‏:‏ لَا أَعْرِفُ السَّابِقَ مِنَّا لَمْ نُطَالِبْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ، فَإِنْ ادَّعَتْ بَعْدَ قَوْلِهَا ذَلِكَ عِلْمَهَا بِسَبْقِ إسْلَامِهِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَأَخَذَتْ النِّصْفَ وَإِنْ جُعِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ بِاعْتِرَافِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَعَاقُبِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُطَالَبُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهَا، وَلَا يَسْتَرِدُّهُ هُوَ مِنْهَا إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهِ فَيُقَرُّ النِّصْفُ فِي يَدِهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ، وَلَوْ أَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا حِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ يَوْمَ كَذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَاسْتَمَرَّ النِّكَاحُ أَوْ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا يَوْمَ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ يَتَنَاوَلُ حَالَ تَمَامِهِ وَهِيَ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَعِيَّةُ لِلطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ تَتَنَاوَلُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا مُقَارِنًا لِطُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ أَوْ غُرُوبِهِ، وَإِسْلَامُ الْآخَرِ مُقَارِنًا لِطُلُوعِ آخِرِهِ أَوْ غُرُوبِهِ‏.‏

بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ

المتن‏:‏

وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، أَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

بَابُ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ ‏(‏وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ‏)‏ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا‏.‏ وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ أَرْبَعَةً، فَجَعَلَ الْعُنَّةَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا، وَالْأَوْجَهُ دُخُولُهَا فِي الْعُيُوبِ‏.‏ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَكَالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ، وَكَأَنْ يَجِدَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ رَقِيقًا أَوْ يَجِدَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ إلَّا بِالْإِفْضَاءِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ‏.‏ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْعُيُوبِ، وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ‏:‏ قِسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَقَالَ إذَا ‏(‏وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا‏)‏ وَإِنْ تَقَطَّعَ أَوْ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْجُنُونُ زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ، وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُتَقَطِّعِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَطْرَأُ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ‏.‏ أَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ الْمَرَضِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ، وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ ‏(‏جُذَامًا‏)‏ وَهُوَ عِلَّةٌ يَحْمَرُّ مِنْهَا الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عُضْوٍ لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ ‏(‏أَوْ بَرَصًا‏)‏ وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ‏.‏ هَذَا إذَا كَانَا مُسْتَحْكِمَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَوَائِلِ الْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ قَالَ‏:‏ وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيهِ وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ، وَحَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الزَّوْجِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَسْخُ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ التَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ شَرْطٌ فِي الْكَفَاءَةِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا عُدِمَ التَّكَافُؤُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ قِسْمٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَإِذَا هُوَ مَعِيبٌ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ، فَقَالَ ‏(‏أَوْ وَجَدَهَا‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ‏)‏ بِأَنْ انْسَدَّ مَحَلُّ الْجِمَاعِ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَحْمٍ وَبِالثَّانِي بِعَظْمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بِلَحْمٍ وَعَلَيْهِ فَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَاحِدٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إجْبَارُ الرَّتْقَاءِ عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ وَإِنْ شَقَّتْهُ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلَا خِيَارَ، وَلَا تُمَكَّنُ الْأَمَةُ مِنْ الشَّقِّ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَوْ مَجْنُونًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا‏)‏ وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ خَاصَّةً، قِيلَ‏:‏ سُمِّيَ عِنِّينًا لِلِينِ ذَكَرِهِ وَانْعِطَافِهِ‏.‏ مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ لِلِينِهِ ‏(‏أَوْ مَجْبُوبًا‏)‏ وَهُوَ مَقْطُوعُ جَمِيعِ الذَّكَرِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ‏.‏ أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يُولِجُ قَدْرَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَجَوَابُ إذَا الْمُقَدَّرَةِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ قَوْلُهُ ‏(‏ثَبَتَ‏)‏ لِوَاجِدِ الْعَيْبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ‏)‏ كَمَا تَقَرَّرَ‏.‏ لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَهِيَ الْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَفِي الصَّحِيحِ‏:‏ ‏{‏فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ‏}‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ‏:‏ وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَإِنَّهُ‏:‏ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْدِي الزَّوْجَ وَيُعْدِي الْوَلَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ مِمَّا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهُ يُعْدِي كَثِيرًا، وَهُوَ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ أَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ، وَالْوَلَدُ قَلَّ مَا يَسْلَمُ مِنْهُ، فَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُعْدِي وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ لَا عَدْوَى‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُعْدِي بِفِعْلِ اللَّهِ لَا بِنَفْسِهِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ رَدًّا لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نِسْبَةِ الْفِعْلِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مُخَالَطَةَ الصَّحِيحِ لِمَنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ سَبَبٌ لِحُدُوثِ ذَلِكَ الدَّاءِ، وَلِأَنَّ مُعْظَمَ النِّكَاحِ هُوَ الْوَطْءُ، وَالْقَرَنُ وَالرَّتَقُ مَانِعَانِ مِنْهُ فَيَتَعَذَّرُ مَقْصُودُهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَمَا لَوْ عُلِمَ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَصَحُّ لَا خِيَارَ فِيهِمَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَجَدَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا خِيَارَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ لَوْ عَلِمَتْ بِعُنَّتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ تَحْصُلُ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى وَفِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ بِالْعُنَّةِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى جِمَاعِ غَيْرِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَقِيلَ إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ مِثْلَ مَا بِهِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ لَا ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ‏)‏ مِنْ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ قَدْرًا وَفُحْشًا ‏(‏فَلَا‏)‏ خِيَارَ لَهُ لِتَسَاوِيهِمَا‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ‏.‏ أَمَّا الْمَجْنُونَانِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَيَتَعَذَّرُ الْخِيَارُ لَهُمَا لِانْتِفَاءِ الْخِيَارِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِثْلَ عَيْبِهِ احْتِرَازٌ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ أَوْ أَفْحَشَ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَطْعًا‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ مَجْبُوبًا بِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ رَتْقَاءُ، فَطَرِيقَانِ‏:‏ قِيلَ‏:‏ كَالْجِنْسِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا خِيَارَ قَطْعًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ هَلْ هُوَ عَيْبٌ كَبَيَاضٍ هَلْ هُوَ بَرَصٌ أَوْ لَا‏؟‏ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ

المتن‏:‏

وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ جُمْلَةَ الْعُيُوبِ سَبْعَةٌ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ خَمْسَةٌ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْعُيُوبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيمَا عَدَاهَا‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَلَا خِيَارَ بِالْبَخَرِ، وَالصُّنَانِ، وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ، وَالْعَمَى، وَالزَّمَانَةِ، وَالْبَلَهِ، وَالْخِصَاءِ، وَالْإِفْضَاءِ، وَلَا بِكَوْنِهِ يَتَغَوَّطُ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ ‏(‏وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا‏)‏ بِأَنْ زَالَ إشْكَالُهُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ خِيَارَ لَهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ سَوَاءٌ أَوْضَحَ بِعَلَامَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَمْ ظَنِّيَّةٍ أَوْ بِإِخْبَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ ثُقْبَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ زَائِدَةٍ لَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَهُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ لِنُفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهُ‏.‏ أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ‏.‏ وَلَوْ وَجَدَهَا مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ نَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ الْعَمَلِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إنْ جَهِلَ، وَلَا يَسْقُطُ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ بِالِاسْتِمْتَاعِ نَهَارًا، وَيَلْحَقُ بِالْمَرْأَةِ الرَّتْقَاءِ ضَيِّقَةُ الْمَنْفَذِ إنْ كَانَ يَحْصُلُ إفْضَاؤُهَا بِالْوَطْءِ مِنْ كُلِّ وَاطِئٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ بِالْعِنِّينِ كَبِيرُ الْآلَةِ بِحَيْثُ لَا تَسَعُ حَشَفَتَهُ امْرَأَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَأَغْرَبَ الْخَفَّافُ فَعَدَّ فِي عُيُوبِ الرَّجُلِ كَوْنَهُ مُشْعِرَ الْإِحْلِيلِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِهِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ خَشِنَةَ الْمَدْخَلِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى الْمُدْخِلُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ تَخَيَّرَتْ إلَّا عُنَّةً بَعْدَ دُخُولٍ، أَوْ بِهَا تَخَيَّرَ فِي الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَدَثَ بِهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ ‏(‏عَيْبٌ‏)‏ كَأَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ ‏(‏تَخَيَّرَتْ‏)‏ قَبْلَ الدُّخُولِ جَزْمًا، وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهَا كَالْمُقَارِنِ مَعَ أَنَّهُ لَا خَلَاصَ لَهَا إلَّا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ الْإِطْلَاقُ مَا لَوْ جَبَّتْ ذَكَرَ زَوْجِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا عَيَّبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهَا بِالْجَبِّ لَا تَصِيرُ قَابِضَةً لِحَقِّهَا، فَهِيَ كَالْمُسْتَأْجِرِ إذَا عَيَّبَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ، وَالْمُشْتَرِي بِالتَّعْيِيبِ قَابِضٌ لِحَقِّهِ ‏(‏إلَّا عُنَّةً‏)‏ حَدَثَتْ ‏(‏بَعْدَ دُخُولٍ‏)‏ لِحُصُولِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ الْحَضَانَةِ، وَقَدْ عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا مِنْهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْجَبُّ كَذَلِكَ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَبَّ حَصَلَ بِهِ الْيَأْسُ بِخِلَافِ الْعُنَّةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْوَطْءُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ دَائِمًا لَا خِيَارَ لَهَا وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ بَعْضَهُنَّ وَيَتْرُكَ بَعْضَهُنَّ، فَقَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهَا اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي ذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا دَامَتْ مُتَرَجِّيَةً لِلْوَطْءِ فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزَّوْجِ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا أَيِسَتْ مِنْهُ أَثْبَتُوا لَهَا الْخِيَارَ لِتَضَرُّرِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ حَدَثَ ‏(‏بِهَا‏)‏ عَيْبٌ ‏(‏تَخَيَّرَ‏)‏ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهِ، وَالْقَدِيمُ لَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلَاصِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِهَا، وَرُدَّ بِتَضَرُّرِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَلَا يَبْعُدُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ بَعْدَ الْوَطْءِ كَحُدُوثِ الْجَبِّ فِي الْخِلَافِ ا هـ وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي النَّفَقَاتِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ حَدَثَ بِهِ جَبٌّ فَرَضِيَتْ ثُمَّ حَدَثَ بِهَا رَتَقٌ أَوْ قَرَنٌ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَمْ لَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ ثُبُوتُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ بِحَادِثٍ، وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنِ جُنُونٍ، وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ‏)‏ بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَيِّدٍ ‏(‏بِحَادِثٍ‏)‏ مِنْ الْعَيْبِ بِالزَّوْجِ، إذْ لَا عَارَ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَرَضِيَتْ بِهِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ ابْتِدَاءً مِنْ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ‏(‏وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ‏)‏ لِلْعَقْدِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالضَّرَرِ وَلَا عَارَ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْعُنَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَكَيْفَ صُورَتُهَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِتَصْوِيرِهِ بِمَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَعَرَفَ الْوَلِيُّ عُنَّتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَرَادَ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ قَدْ يُعَنُّ فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِمْرَارُ ‏(‏وَيَتَخَيَّرُ‏)‏ الْوَلِيُّ ‏(‏بِمُقَارِنِ جُنُونٍ‏)‏ لِلزَّوْجِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ لِتُعَيِّرَهُ بِذَلِكَ ‏(‏وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ‏)‏ مُقَارِنَانِ يَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلْعَارِ وَخَوْفِ الْعَدْوَى لِلنَّسْلِ، وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِالْمَرْأَةِ، فَإِذَا فَسَخَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ ظَنَّهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ بَطَلَ الْفَسْخُ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْفَسْخُ قَبْلَ دُخُولٍ يُسْقِطُ الْمَهْرَ وَبَعْدَهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ، وَالْمُسَمَّى إنْ حَدَثَ بَعْدَ وَطْءٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْخِيَارُ‏)‏ فِي الْفَسْخِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَ يَكُونُ ‏(‏عَلَى الْفَوْرِ‏)‏ لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى بِكَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ وَالرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ يَكُونَانِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ضَرْبَ الْمُدَّةِ فِي الْعُنَّةِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى الْفَسْخِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَيْبِ وَلَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْفَوْرِ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ عَلِمْتُ بِعَيْبِ صَاحِبِي وَجَهِلْت الْخِيَارَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا ‏(‏وَالْفَسْخُ‏)‏ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا بِعَيْبٍ فِيهَا أَوْ فِيهِ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ أَوْ حَادِثٍ ‏(‏قَبْلَ دُخُولٍ يَسْقُطُ الْمَهْرَ‏)‏ وَلَا مُتْعَةَ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهِ فَهِيَ الْفَاسِخَةُ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بِهَا فَسَبَبُ الْفَسْخِ مَعْنًى وُجِدَ فِيهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ ‏(‏وَ‏)‏ الْفَسْخُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَهُ ‏(‏الْأَصَحُّ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ ‏(‏أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ‏)‏ النِّكَاحُ ‏(‏بِمُقَارِنٍ‏)‏ لِلْعَقْدِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فُسِخَ ‏(‏بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ‏)‏ إنْ كَانَ بِالْمَوْطُوءَةِ وَجَهِلَتْهُ هِيَ إنْ كَانَ بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِمَعِيبَةٍ، وَهُوَ إنَّمَا بَذَلَ الْمُسَمَّى عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ، فَكَأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى فِي الْأَوَّلِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَيُجْعَلُ اقْتِرَانُهُ بِالْوَطْءِ الْمُقَارِنِ لِلْمَهْرِ فِي الثَّانِي كَالِاقْتِرَانِ بِالْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا جَرَى بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْفَسْخِ رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ أَوْ إلَى بَدَلٍ إنْ تَلِفَ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَالزَّوْجَةُ إلَى بَدَلِ حَقِّهَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَوَاتِ حَقِّهَا بِالدُّخُولِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ صَيَّرَ التَّسْمِيَةَ كَالْعَدَمِ سَقَطَ مَا قِيلَ‏:‏ الْفَسْخُ إنْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ حِينِهِ فَالْمُسَمَّى كَذَلِكَ‏.‏ وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عَمَّا قِيلَ بِأَنَّ الَّذِي يَخْتَارُهُ هُنَا وَفِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِ حُدُوثِ سَبَبِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ حِينِ الْفَسْخِ، وَعَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ، وَالنِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِمَا الْمَنَافِعُ، وَهِيَ لَا تُقْبَضُ حَقِيقَةً إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ مُقَرَّرٌ‏.‏ وَأَمَّا الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَالْإِعْسَارِ، فَمِنْ حِينِهِ قَطْعًا، وَكَذَا الْخُلْعُ ا هـ‏.‏ وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ ‏(‏الْمُسَمَّى إنْ حَدَثَ‏)‏ الْعَيْبُ ‏(‏بَعْدَ وَطْءٍ‏)‏ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الْخِيَارِ فَلَا يُغَيَّرُ‏.‏ وَالثَّانِي هُوَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ يَجِبُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ‏.‏ وَالثَّالِثُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ فِي الْمُقَارِنِ‏:‏ إنْ فَسَخَ بِعَيْبِهَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ فَسَخَتْ بِعَيْبِهِ فَالْمُسَمَّى‏.‏ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطْءَ مَضْمُونٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَابِلٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هُوَ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرٌ لِمِثْلٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِعَيْبٍ وَطْؤُهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ بَذْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْوَطْءُ فِي الْمَبِيعِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْعَقْدُ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَالْوَطْءُ مَنْفَعَةُ مِلْكِهِ فَلَمْ يُقَابِلْهُ عِوَضٌ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ لِلْوَطْءِ كَانَ كَالْفَسْخِ بِحَادِثٍ قَبْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَا نَفَقَةَ لِلْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِالْفَسْخِ، وَلَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ بَعْدَ وَطْءٍ فَالْمُسَمَّى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ انْفَسَخَ‏)‏ النِّكَاحُ ‏(‏بِرِدَّةٍ‏)‏ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا ‏(‏بَعْدَ وَطْءٍ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ ‏(‏فَالْمُسَمَّى‏)‏ هُوَ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَرَّرَ الْمُسَمَّى قَبْلَ وُجُودِهَا، وَالرِّدَّةُ لَا تُسْنَدُ إلَى مَا تَقَدَّمَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ‏)‏ الْفَاسِخُ ‏(‏بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ‏)‏ الَّذِي غَرِمَهُ ‏(‏عَلَى مَنْ غَرَّهُ‏)‏ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ زَوْجَةٍ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَدِيمُ يَرْجِعُ بِهِ لِلتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ‏.‏ أَمَّا الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا فُسِخَ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ، وَصَوَّرَ فِي التَّتِمَّةِ التَّغْرِيرَ مِنْهَا بِأَنْ تَسْكُتَ عَنْ عَيْبِهَا وَتُظْهِرَ لِلْوَلِيِّ مَعْرِفَةَ الْخَاطِبِ بِهِ، وَصَوَّرَهُ أَبُو الْفَرَجِ، الزازي بِأَنْ تَعْقِدَ بِنَفْسِهَا وَيَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ، وَلَوْ أَجَازَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِّ جَزْمًا‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ فِي الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُيُوبِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ، وَكَذَا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا ثَبَتَتْ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً، بِطَلَبِهَا، فَإِذَا تَمَّتْ رَفَعَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ وَطِئْتُ حَلَفَ، فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ أَوْ أَقَرَّ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ، وَقِيلَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي أَوْ فَسْخِهِ، وَلَوْ اعْتَزَلَتْهُ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تُحْسَبْ، وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا بِهِ بَطَلَ حَقُّهَا، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي‏)‏ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ ‏(‏الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ‏)‏ جَزْمًا لِيَفْعَلَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا ‏(‏وَكَذَا سَائِرُ‏)‏ أَيْ بَاقِي ‏(‏الْعُيُوبِ‏)‏ السَّابِقَةِ يُشْتَرَطُ فِي الْفَسْخِ بِكُلٍّ مِنْهَا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِالْفَسْخِ مِمَّا يَجُوزُ الْفَسْخُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ ‏(‏أَوْ بَيِّنَةٍ‏)‏ تُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ‏(‏عَلَى إقْرَارِهِ‏)‏ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَّلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا، يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ دَعْوَى امْرَأَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْعُنَّةَ عَلَيْهِمَا لَا تُسْمَعُ لِسُقُوطِ قَوْلِهِمَا ‏(‏وَكَذَا‏)‏ تَثْبُتُ الْعُنَّةُ ‏(‏بِيَمِينِهَا‏)‏ الْمَرْدُودَةِ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ إنْكَارِهِ الْعُنَّةَ، وَ ‏(‏نُكُولِهِ‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الْحَلِفُ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْمُمَارَسَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِهَا، إذْ لَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَعْرِفُهُ هِيَ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَيُقْضَى بِنُكُولِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالتَّعْنِينِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْحَظِيرَةُ الْمُعَدَّةُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعُنَّةُ، وَيُرِيدُونَ بِهِ التَّعْنِينَ فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ ا هـ‏.‏ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي مُثَلَّثَتِهِ‏:‏ الْعُنَّةُ بِالضَّمِّ‏:‏ الْعَجْزُ عَنْ الْجِمَاعِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ‏:‏ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ عِنِّينَةٌ ‏(‏وَإِذَا ثَبَتَتْ‏)‏ عُنَّةُ الزَّوْجِ ‏(‏ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً‏)‏ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا‏.‏ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اتِّبَاعِ قَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَاعِدَةِ الْبَابِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ مُضِيُّ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْجِمَاعِ قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَتَزُولُ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ بُرُودَةٍ فَتَزُولُ فِي الصَّيْفِ، أَوْ يُبُوسَةٍ فَتَزُولُ فِي الرَّبِيعِ، أَوْ رُطُوبَةٍ فَتَزُولُ فِي الْخَرِيفِ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَا إصَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي، لَا مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا، بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ لِلنَّصِّ‏.‏ وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ بِالْأَهِلَّةِ، فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ كَمُلَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثَ عَشَرَ ثَلَاثِينَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فِي ضَرْبِ السَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مَارَسْتُ نَفْسِي وَأَنَا عِنِّينٌ فَلَا تَضْرِبُوا لِي مُدَّةً أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ، فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَالرَّضَاعَ، فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي كَوْنِ الْمُدَّةِ سَنَةً، وَإِنَّمَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ‏(‏بِطَلَبِهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَيَكْفِي قَوْلُهَا‏:‏ أَنَا طَالِبَةٌ حَقِّي بِمُوجَبِ الشَّرْعِ وَإِنْ جَهِلَتْ بِتَفْصِيلِ الْحُكْمِ، فَإِنْ سَكَتَتْ لَمْ تُضْرَبْ‏.‏ نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ سُكُوتَهَا لِجَهْلٍ أَوْ دَهْشَةٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِتَنْبِيهِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ‏:‏ بِطَلَبِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَنُوبَ عَنْهَا فِي ذَلِكَ عَاقِلَةً كَانَتْ أَوْ مَجْنُونَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ دَعْوَى الْعُنَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْخِصَالِ، وَلَا لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ نِكَاحِهَا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِنِّينَ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ ادَّعَتْ عَنْهُ مُقَارَنَةً لِلْعَقْدِ، وَإِلَّا فَتُسْمَعُ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ ‏(‏فَإِذَا تَمَّتْ‏)‏ تِلْكَ السَّنَةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلزَّوْجِ وَلَمْ يَطَأْ عَلَى مَا يَأْتِي وَلَمْ تَعْتَزِلْهُ فِيهَا ‏(‏رَفَعَتْهُ‏)‏ ثَانِيًا ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي، فَلَا تَفْسَخُ بِلَا رَفْعٍ، إذْ مَدَارُ الْبَابِ عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ فَيُحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْقَاضِي وَاجْتِهَادِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ، بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الرَّفْعَ ثَانِيًا بَعْدَ السَّنَةِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ‏(‏فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَطِئْتُ حَلَفَ‏)‏ بَعْدَ طَلَبِهَا أَنَّهُ وَطِئَ كَمَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ لِعُسْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةِ الْجِمَاعِ وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَدَوَامُ النِّكَاحِ، هَذَا فِي الثَّيِّبِ‏.‏ أَمَّا الْبِكْرُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِلظَّاهِرِ، وَهَلْ تَحْلِفُ أَوْ لَا‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ رَجَحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَعَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهَا لَا تَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ الزَّوْجُ يَمِينَهَا، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِيَ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ عَوْدَ الْبَكَارَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ شَهَادَتِهِنَّ‏:‏ أَصَبْتهَا وَلَمْ أُبَالِغْ فَعَادَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلَبَ يَمِينَهَا حَلَفَتْ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ النَّافِي أَخْذًا بِالْأَصْلِ‏.‏ الْمَوْضِعُ الثَّانِي الْمُولِي، وَهُوَ كَالْعِنِّينِ فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ، وَإِذَا طَلَّقَ عِنِّينٌ أَوْ مُولٍ قَبْلَ الْوَطْءِ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ حَلَفَا عَلَى الْوَطْءِ فَلَيْسَ لَهُمَا رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا فِي إنْكَارِهَا الْوَطْءَ لِدَفْعِ رَجْعَتِهَا وَإِنْ صُدِّقَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْعُنَّةِ، وَالثَّانِي لِدَفْعِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْدِيقِ الشَّخْصِ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ تَصْدِيقُهُ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إذْ الْيَمِينُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ، وَنَظَرُوا ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ إذَا صَدَّقْنَا الْوَدِيعَ فِي تَلَفِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةٌ وَغَرَّمَهُ مُسْتَحِقُّهَا بَدَلَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُودِعِ إنْ حَلَفَ الْمُودِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فَيَمِينُ الْوَدِيعِ دَافِعَةٌ عَنْهُ الْغُرْمَ غَيْرُ مُثْبِتَةٍ لَهُ الرُّجُوعَ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ دَارٌ فِي يَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ بَلْ هِيَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ، فَإِذَا بَاعَ مُدَّعِي الْكُلِّ نَصِيبَهُ مِنْ ثَالِثٍ لَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ رَفَعَتْ الْأَخْذَ مِنْهُ فَلَا تَكُونُ مُثْبِتَةً لَهُ حَقًّا‏.‏ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ‏:‏ مُطَلَّقَةٌ ادَّعَتْ الْوَطْءَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ وَأَنْكَرَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَانٍ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إنْ لَمْ يَنْفِهِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهَا بِالْوَلَدِ، كَذَا نَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِمَا مَسَائِلَ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ إذَا ادَّعَتْ الْبَكَارَةَ الْمَشْرُوطَةَ وَأَنَّهَا زَالَتْ بِوَطْئِهِ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الْمُحَلِّلِ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ، فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لَا لِتَغْرِيمِ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَيِّنَةُ الْوَطْءِ مُتَعَذِّرَةٌ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ إذَا قَالَ لَهَا وَهِيَ طَاهِرٌ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ ادَّعَى وَطْأَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ لِيَدْفَعَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَتْهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ ثُمَّ اخْتَلَفَا كَذَلِكَ فَهُوَ فِي الْمُصَدَّقِ لِمَا ذُكِرَ، وَبِهِ أَجَابَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ الظَّاهِرُ الْوُقُوعُ ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ ‏(‏حَلَفَتْ‏)‏ هِيَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا ‏(‏فَإِنْ حَلَفَتْ‏)‏ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏أَوْ أَقَرَّ‏)‏ هُوَ بِذَلِكَ ‏(‏اسْتَقَلَّتْ‏)‏ هِيَ ‏(‏بِالْفَسْخِ‏)‏ كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، لَكِنْ إنَّمَا تَفْسَخُ بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي لَهَا‏:‏ ثَبَتَتْ الْعُنَّةُ أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَاخْتَارِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏.‏ نَعَمْ قَوْلُهُ فَاخْتَارِي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ بَادَرَتْ وَفَسَخَتْ قَبْلَهُ نَفَذَ فَسْخُهَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَذْفُ الرَّافِعِيِّ لَهُ مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي‏)‏ لَهَا بِالْفَسْخِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏فَسْخِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَيَتَعَاطَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْذَنُ فِيهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَحَّحَا هَذَا فِي الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ خِيَارَ الْعُنَّةِ خُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَخِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَضَرْبُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ وَالثُّبُوتَ بَعْدَهَا إنَّمَا شُرِعَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ السَّبَبُ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ الْفَوْرِيَّةِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّ خِيَارَهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِإِعْسَارِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏وَلَوْ اعْتَزَلَتْهُ‏)‏ كَأَنْ اُسْتُحِيضَتْ ‏(‏أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ‏)‏ كُلِّهَا ‏(‏لَمْ تُحْسَبْ‏)‏ هَذِهِ السَّنَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ يُضَافُ إلَيْهَا وَتَسْتَأْنِفُ سَنَةً أُخْرَى وَلَوْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخَانِ‏:‏ فَالْقِيَاسُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ أُخْرَى، أَوْ تَنْتَظِرُ مُضِيَّ مِثْلِ ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِئْنَافُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَصْلَ إنَّمَا يَأْتِي فِي سَنَةٍ أُخْرَى‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ انْعِزَالُهَا عَنْهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ قَابِلٍ بِخِلَافِ الِاسْتِئْنَافِ، وَلَا يَمْنَعُ حُسْبَانُ الْمُدَّةِ حَيْضَهَا إذْ لَا تَخْلُو السَّنَةُ عَنْهُ غَالِبًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِهَا أَنَّ حَبْسَهُ وَمَرَضَهُ لَا يَمْنَعُ حُسْبَانَ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَسَفَرُهَا كَحَبْسِهَا وَنِفَاسُهَا كَحَيْضِهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَسَفَرُهُ كَحَبْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى امْتِنَاعَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَضْرِبُ الْقَاضِي مُدَّةً أُخْرَى وَيُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ ثِقَاتٍ وَيَعْتَمِدُ قَوْلَهُمْ ‏(‏وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ انْقِضَاءِ جَمِيعِ الْمُدَّةِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ ‏(‏بَطَلَ حَقُّهَا‏)‏ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْإِيلَاءُ وَالْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ وَالْإِجَارَةِ إذَا تَهَدَّمَتْ الدَّارُ لَهَا الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَتْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَتَجَدَّدُ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ وَاحِدٌ إذَا تَحَقَّقَ لَا تُتَوَقَّعُ إزَالَتُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ بَعْدَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ خَرَجَ بِهَا مَا إذَا رَضِيَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ قَبْلَ ضَرْبِهَا فَإِنَّ حَقَّهَا لَا يَبْطُلُ، وَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ أَنْ رَضِيَتْ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَهُ وَبِوَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَعُدْ حَقَّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَانَتْ وَجُدِّدَ نِكَاحُهَا فَإِنَّ طَلَبَهَا لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ ذَلِكَ النِّكَاحِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَبْطُلُ حَقُّهَا ‏(‏لَوْ أَجَّلَتْهُ‏)‏ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مُدَّةً أُخْرَى كَشَهْرٍ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالتَّأْجِيلُ مُفَوِّتٌ لَهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَبْطُلُ لِإِحْسَانِهَا بِالتَّأْجِيلِ وَلَا يَلْزَمُهَا، فَلَهَا الْفَسْخُ مَتَى شَاءَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ نَكَحَ وَشُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا، فَأُخْلِفَ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ، ثُمَّ إنْ بَانَ خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ فَلَا خِيَارَ، وَإِنْ بَانَ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَكَذَا لَهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ قِسْمَانِ‏:‏ خُلْفُ شَرْطٍ، وَخُلْفُ ظَنٍّ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ نَكَحَ‏)‏ امْرَأَةً ‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏فِيهَا‏)‏ فِي الْعَقْدِ ‏(‏إسْلَامٌ أَوْ‏)‏ شُرِطَ ‏(‏فِي أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ ‏(‏نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا‏)‏ مِمَّا لَا يَمْنَعُ عَدَمُهُ صِحَّةَ النِّكَاحِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَبَكَارَةٍ وَشَبَابٍ، أَوْ النَّقْصِ كَضِدِّ ذَلِكَ أَوَّلًا وَلَا كَطُولٍ وَبَيَاضٍ وَسُمْرَةٍ ‏(‏فَأُخْلِفَ‏)‏ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - الْمَشْرُوطُ ‏(‏فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ‏)‏ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ مَعَ تَأَثُّرِهِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَالنِّكَاحُ أَوْلَى‏.‏ وَالثَّانِي يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَعْتَمِدُ الصِّفَاتِ فَتَبَدُّلُهَا كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شُرِطَتْ حُرِّيَّتُهُ فَبَانَ عَبْدًا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا لِعَدَمِ الْإِذْنِ، وَفِيمَا إذَا شَرَطَ حُرِّيَّتَهَا فَبَانَتْ أَمَةً إذَا نُكِحَتْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَكَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا، وَفِيمَا إذَا شُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ فَأَخْلَفَ أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهَا كِتَابِيَّةً يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ إنْ وُجِدَتْ شَرَائِطُ الصِّحَّةِ لِفَهْمِ ذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْكِتَابِيَّةِ‏.‏ أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِي الْخِيَارِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ عَلَى الصِّحَّةِ ‏(‏إنْ بَانَ‏)‏ الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ ‏(‏خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ‏)‏ فِيهِ كَشَرْطِ كَوْنِهَا كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ ثَيِّبًا فَبَانَتْ مُسْلِمَةً فِي الْأُولَى، أَوْ حُرَّةً فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ بِكْرًا فِي الثَّالِثَةِ، أَوْ فِي الزَّوْجِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَبَانَ حُرًّا ‏(‏فَلَا خِيَارَ‏)‏ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّا شُرِطَ ‏(‏وَإِنْ بَانَ دُونَهُ‏)‏ أَيْ الْمَشْرُوطِ كَأَنْ شُرِطَ فِيهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ فَبَانَتْ أَمَةً، وَهُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَقَدْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي نِكَاحِهَا أَوْ فِيهِ أَنَّهُ حُرٌّ فَبَانَ عَبْدًا وَالزَّوْجَةُ حُرَّةً وَقَدْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي النِّكَاحِ ‏(‏فَلَهَا الْخِيَارُ‏)‏ لِلْخُلْفِ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلِأَوْلِيَائِهَا الْخِيَارُ إنْ كَانَ الْخُلْفُ فِي النَّسَبِ لِفَوَاتِ الْكَفَاءَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ‏.‏ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَّحَهُ فِي خُلْفِ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجِ، وَمِثْلُهُ خُلْفُ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجَةِ، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَضِيَّةِ مَا فِي الْكَبِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا سَاوَاهَا فِي النَّسَبِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمَشْرُوطِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَجَعَلَ الْعِفَّةَ كَالنَّسَبِ‏:‏ أَيْ وَالْحُرِّيَّةُ كَذَلِكَ ‏(‏وَكَذَا لَهُ‏)‏ الْخِيَارُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ أَيْ إذَا لَمْ يَزِدْ نَسَبُهَا عَلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يُسَاوِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَانِبِهِ لِلْغَرَرِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ كَعَيْبِ النِّكَاحِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا خِيَارَ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالطَّلَاقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَبْدًا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِتَكَافُئِهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي الثَّانِيَةِ أَمَةً ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلتَّغْرِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ لَا خِيَارَ كَنَظِيرِهِ فِي شَرْطِ حُرِّيَّتِهَا‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمُرَجَّحُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِسَيِّدِهَا دُونَهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَى نِكَاحِ عَبْدٍ لَا مَعِيبٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ظَنَّهَا مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ وَحِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَلَوْ بَانَ مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ خُلْفُ الظَّنِّ الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إلَّا فِيمَا يُسْتَثْنَى، فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ ظَنَّهَا‏)‏ بِلَا شَرْطٍ ‏(‏مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً‏)‏ فِي الْأُولَى بِشَرْطِهِ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ظَنِّ ذَلِكَ ‏(‏أَوْ أَمَةً‏)‏ فِي الثَّانِيَةِ ‏(‏وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ‏)‏ لَهُ فِيهِمَا ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّ الظَّنَّ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ أَوْ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ كَاتِبًا فَلَمْ يَكُنْ، وَالثَّانِي لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَإِذَا خَالَفَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَلَوْ ظَنَّ حُرِّيَّتَهَا فَخَرَجَتْ مُبَعَّضَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا أَمَةً كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ‏(‏وَلَوْ أَذِنَتْ‏)‏ لِوَلِيِّهَا ‏(‏فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا‏)‏ لَهَا ‏(‏فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ وَحِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا‏)‏ وَلَا لِوَلِيِّهَا؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهَا وَمِنْهُ حَيْثُ لَمْ يَبْحَثَا وَلَمْ يَشْرُطَا ‏(‏قُلْتُ‏:‏ وَلَوْ بَانَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏مَعِيبًا أَوْ‏)‏ بَانَ ‏(‏عَبْدًا‏)‏ وَهِيَ حُرَّةٌ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي النِّكَاحِ ‏(‏فَلَهَا الْخِيَارُ‏)‏ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِمُوَافَقَةِ مَا ظَنَّتْهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ لِلْغَالِبِ فِي النَّاسِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ تَرْكَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّ الْأُولَى مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا مَرَّ فِي الْعُيُوبِ، وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِمَا‏:‏ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْحُرِّيَّةَ وَلَا غَيْرَهَا، فَقَالَتْ‏:‏ ظَنَنْتُك حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَقِيلَ‏:‏ لَهَا الْخِيَارُ، وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ النَّصَّ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهَا قَصَّرَتْ بِتَرْكِ الْبَحْثِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ كَالْغَزَالِيِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَتَى فُسِخَ بِخُلْفٍ فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ، وَالْمُؤَثِّرُ تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ، وَلَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَصَحَّحْنَاهُ فَالْوَلَدُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُرٌّ، وَعَلَى الْمَغْرُورِ، قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَارِّ، وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا بَلْ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا، وَلَوْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَتَى فُسِخَ‏)‏ النِّكَاحُ ‏(‏بِخُلْفِ‏)‏ الشَّرْطِ ‏(‏فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ‏)‏ أَيْ الْفَسْخِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ أَوْ بَعْدَهُ فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْفَسْخُ مَعَ الدُّخُولِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَارِّ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يُوهِمُ أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هِيَ كَذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ التَّغْرِيرُ ‏(‏الْمُؤَثِّرُ‏)‏ فِي الْفَسْخِ بِخُلْفِ الشَّرْطِ ‏(‏تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ‏)‏ بِوُقُوعِهِ فِي صُلْبِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ‏:‏ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْبِكْرَ أَوْ هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْحُرَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَارَنَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ أَوْ سَبْقِ الْعَقْدِ‏.‏ أَمَّا الْمُؤَثِّرُ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ فَيَكْفِي فِيهِ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْعَقْدِ مُطْلَقًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ عَلَى قَصْدِ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ‏.‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ‏:‏ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الِاتِّصَالَ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ أَوْسَعُ بَابًا‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اتِّحَادَ التَّغْرِيرَيْنِ، فَجَعَلَ الْمُتَّصِلَ بِالْعَقْدِ قَبْلَهُ كَالْمَذْكُورِ فِيهِ فِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْفَسْخِ فَاحْذَرْهُ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ مَعَ أَنَّهُ شَيْخُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ إظْهَارُ الْحَقِّ ‏(‏وَلَوْ غُرَّ‏)‏ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ‏(‏بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ‏)‏ نَكَحَهَا وَشَرَطَ لَهُ الْعَقْدُ حُرِّيَّتَهَا ‏(‏وَصَحَّحْنَاهُ‏)‏ أَيْ نِكَاحَ الْمَغْرُورِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ وَحَصَلَ مِنْهُ وَلَدٌ ‏(‏ فَالْوَلَدُ‏)‏ الْحَاصِلُ ‏(‏قَبْلَ الْعِلْمِ‏)‏ بِأَنَّهَا أَمَةٌ ‏(‏حُرٌّ‏)‏ أَيْ يَنْعَقِدُ حُرًّا سَوَاءٌ فَسَخَ الْعَقْدَ أَمْ أَجَازَهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَوَلَدُ الْحُرَّةِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا حُرًّا، فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ ‏(‏وَعَلَى الْمَغْرُورِ قِيمَتُهُ‏)‏ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ تَقْوِيمِهِ، وَهِيَ فِي ذِمَّةِ الْحُرِّ، وَكَذَا الْعَبْدُ فِي الْأَصَحِّ يُتْبَعُ بِهَا إذَا عَتَقَ، وَقِيلَ فِي كَسْبِهِ، وَقِيلَ فِي رَقَبَتِهِ ‏(‏لِسَيِّدِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ التَّابِعَ لِرِقِّهَا بِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا لِسَيِّدِهَا لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى رَقِيقِهِ دَيْنٌ ‏(‏وَيَرْجِعُ‏)‏ الْمَغْرُورُ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ ‏(‏عَلَى الْغَارِّ‏)‏ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُوقِعُ لَهُ فِي غَرَامَتِهَا وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُغَرِّمَهَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ كَالضَّامِنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ وَصَحَّحْنَاهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذُكِرَ إنْ أَبْطَلْنَاهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَكَذَا إذَا بَطَلَ لِكَوْنِ الزَّوْجِ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِشُبْهَةِ التَّغْرِيرِ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ الْعِلْمِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَرَبِيًّا فَهُوَ رَقِيقٌ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَهْرِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَغْرُورُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهُ، وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ بِوَطْئِهِ إنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ الْمُسَمَّى فَبِكَسْبِهِ ‏(‏وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُك هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَتَقَتْ ‏(‏بَلْ‏)‏ يُتَصَوَّرُ ‏(‏مِنْ وَكِيلِهِ‏)‏ فِي تَزْوِيجِهَا كَأَنْ يَقُولَ وَكِيلُهُ‏:‏ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ مِنْ وَلِيِّ السَّيِّدِ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَالْفَوَاتُ فِي ذَلِكَ بِخُلْفِ الشَّرْطِ تَارَةً وَالظَّنِّ أُخْرَى ‏(‏أَوْ مِنْهَا‏)‏ وَالْفَوَاتُ فِيهِ بِخُلْفِ الظَّنِّ فَقَطْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَنْعِ التَّصَوُّرِ مِنْ سَيِّدِهَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ صُوَرًا‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا الْمُعْسِرُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ زَوَّجَ السَّفِيهُ أَوْ الْمُفْلِسُ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي الْأُولَى أَوْ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ السَّيِّدِ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا حُرَّةً ‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ التَّغْرِيرُ ‏(‏مِنْهَا‏)‏ فَقَطْ ‏(‏تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا‏)‏ فَتُطَالِبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا وَلَا بِكَسْبِهَا، نَعَمْ إنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَلَهُ مُطَالَبَتُهَا فِي الْحَالِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ كَجِنَايَتِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَكِيلِ فَقَطْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَيْضًا وَيُطَالَبُ بِهِ حَالًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَمِنْ الْوَكِيلِ بِأَنْ ذَكَرَاهُ مَعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْغُرْمِ، فَإِنْ غَرَّتْ الْوَكِيلَ بِالْحُرِّيَّةِ فَذَكَرَهَا الزَّوْجُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ الْوَكِيلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَرَتْهُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ ذَكَرَتْهُ لِلزَّوْجِ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الْوَكِيلُ لِلزَّوْجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شَافَهَتْ الزَّوْجَ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَسَطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّيِّدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَغْرِيرِ مَنْ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا انْفَصَلَ الْوَلَدُ فِي صُورَةِ التَّغْرِيرِ حَيًّا ‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا ‏(‏لَوْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيْتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ‏)‏ لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ فَفِيهِ - لِانْعِقَادِهِ حُرًّا - غُرَّةٌ لِوَارِثِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ سَيِّدَ الْأَمَةِ أَوْ الْمَغْرُورَ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْغُرَّةُ بِرَقَبَتِهِ، وَيَضْمَنُهُ الْمَغْرُورُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَضْمَنُ بِهِ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إلَّا مَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّقِيقَ‏.‏ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ مِنْ الْغُرَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ الْأَبِ الْحُرِّ غَيْرِ الْجَانِي إلَّا أُمُّ الْأُمِّ الْحُرَّةُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي الْغُرَّةِ فِي آخِرِ بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ قَالَتْ جَهِلْت الْعِتْقَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ‏:‏ بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا، وَكَذَا إنْ قَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ، وَبَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ وَجَبَ الْمُسَمَّى، أَوْ قَبْلَهُ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ الْمُسَمَّى، وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ لِلْخِيَارِ وَهُوَ الْعِتْقُ‏.‏ فَقَالَ ‏(‏وَمَنْ عَتَقَتْ‏)‏ كُلُّهَا وَلَوْ كَافِرَةً وَمُكَاتَبَةً ‏(‏تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ‏)‏ تَحْتَ ‏(‏مَنْ فِيهِ رِقٌّ‏)‏ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ‏)‏ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ ‏{‏عِتْقُ بَرِيرَةَ تَحْتَ زَوْجِهَا مُغِيثٍ، وَكَانَ عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْمُبَعَّضُ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ تَحْتَ رَقِيقٍ مَا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا إذَا عَتَقَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَسَيَأْتِي بَاقِي الْمُحْتَرَزَاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا أَوْ مَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا الْفَسْخَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ سَقَطَ خِيَارُهَا لِزَوَالِ الضَّرَرِ، وَلَوْ فَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ رِقِّهِ فَبَانَ خِلَافُهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَكَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِمَهْرِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَسَخَتْ لَسَقَطَ الْمَهْرُ فَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ الْوَفَاءِ بِعِتْقِهَا فَلَا تَعْتِقُ كُلُّهَا فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي هَذَا الْفَسْخِ لِحَاكِمٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ سَيِّدَهَا أَعْتَقَهَا فَأَنْكَرَ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ، وَإِنْ صَدَّقَهَا ثَبَتَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ خِيَارَ الْعِتْقِ ‏(‏عَلَى الْفَوْرِ‏)‏ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ فَتَتَرَوَّى فِيهَا، وَقِيلَ‏:‏ تَبْقَى مَا لَمْ يَمَسَّهَا مُخْتَارَةً أَوْ تُصَرِّحُ بِإِسْقَاطِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالسُّبْكِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُكَلَّفَةِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى تَكْلِيفِهَا جَزْمًا وَلَا يَخْتَارُ الْوَلِيُّ شَيْئًا، وَفِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا‏.‏ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّ لَهَا الْفَسْخَ فِي الْحَالِ وَلَهَا التَّأْخِيرُ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَقَدْ لَا يُرَاجِعُهَا فَتَبِينُ بِالطَّلَاقِ ‏(‏فَإِنْ قَالَتْ‏:‏ جَهِلْت الْعِتْقَ‏)‏ بَعْدَ تَأْخِيرِهَا الْفَسْخَ وَهِيَ مُرِيدَةٌ لَهُ ‏(‏صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ‏)‏ دَعْوَى جَهْلِهَا ذَلِكَ ‏(‏بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا‏)‏ وَقْتَ الْعِتْقِ أَوْ كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى عَنْ الْبَلَدِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهَا، وَظَاهِرُ الْحَالِ يُصَدِّقُهَا، فَإِنْ كَذَّبَهَا ظَاهِرُ الْحَالِ كَأَنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالرَّوْضَةِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهَا ظَاهِرُ الْحَالِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَذَكَرَ الْمُحَرَّرُ حُكْمَ الطَّرَفَيْنِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَإِلَّا فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدَهُمَا وَاكْتَفَى بِمَفْهُومِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الِاخْتِصَارِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا ‏(‏إنْ قَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْعِتْقِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ، وَالثَّانِي يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُبْطِلُ خِيَارَهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَنْ يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا وَكَذِبُهَا‏.‏ أَمَّا مَنْ عُلِمَ صِدْقُهَا كَالْعَجَمِيَّةِ فَقَوْلُهَا مَقْبُولٌ قَطْعًا أَوْ عُلِمَ كَذِبُهَا بِأَنْ كَانَتْ تُخَالِطُ الْفُقَهَاءَ وَتَعْرِفُ مِنْهُمْ ذَلِكَ فَقَوْلُهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ قَطْعًا، وَلَوْ عَلِمَتْ أَصْلَ الْخِيَارِ وَادَّعَتْ الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّتِهِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَوْ لَا‏؟‏‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ، وَالْوَجْهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَدِيمَةَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ عَرَفَ الْخِيَارَ عَلِمَ فَوْرِيَّتَهُ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَبُولُهَا فِي ذَلِكَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا أَشْكَلَ عَلَى الْعُلَمَاءِ، فَعَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَوْلَى ‏(‏فَإِنْ فَسَخَتْ‏)‏ مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ النِّكَاحَ ‏(‏قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ‏)‏ وَلَا مُتْعَةَ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ جِهَتِهَا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْفَسْخِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ مَعَ الْبَقَاءِ أَوْ فَسَخَتْ ‏(‏بَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْوَطْءِ السَّابِقِ عِتْقَهَا ‏(‏وَجَبَ الْمُسَمَّى‏)‏ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِعِتْقٍ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ بِعِتْقِهَا إلَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْ وَطْئِهَا ‏(‏فَمَهْرُ مِثْلٍ‏)‏ لِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ وُجُوبِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ السَّابِقُ لِلْوَطْءِ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏الْمُسَمَّى‏)‏ لِتَقَرُّرِهِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ، فَإِنْ عَتَقَتْ مَعَ الْوَطْءِ أَوْ فَسَخَتْ مَعَهُ بِعِتْقٍ قَبْلَهُ، فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَهْرُهَا لِسَيِّدِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَمَّى أَمْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَسَخَتْ أَوْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ، وَجَرَى فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً بِأَنْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا كَذَلِكَ نُظِرَتْ، فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِيهِمَا فَالْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمُفَوِّضَةِ يَجِبُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ وَطِئَهَا أَوْ فَرَضَ لَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْوَطْءِ أَوْ الْفَرْضِ قَبْلَ عِتْقِهَا وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَالْوَطْءِ وَالْفَرْضِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَاقِي الْمُحْتَرَزَاتِ، فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ‏)‏ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِصِفَةٍ أَوْ دُبِّرَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا‏.‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ‏.‏ وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِكَمَالِ الرِّقِّ وَصُورَةُ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنْ يُعْتِقَ حِصَّةً فِي أَمَةٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَإِلَّا عَتَقَ جَمِيعُهَا ‏(‏أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ‏)‏ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِ النَّاقِصَةِ، وَيُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلِلزَّوْجِ وَطْءُ الْعَتِيقَةِ مَا لَمْ يَفْسَخْ، وَكَذَا زَوْجُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ الْعَتِيقَتَيْنِ مَا لَمْ يَفْسَخَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏